المسرح السومري.. صرحٌ فنيٌ يحاكي حضارات العراق القديم

تموز/يوليو 18, 2023

بيت نهرين – عن الصباح

على مقربة من أقدم المدن الأثرية غرب مدينة الناصرية يتواصل العمل لإنجاز "مسرح أور" إلى جانب عدد من المشاريع الثقافية والفكرية حيث خصصت لها مساحة تقدر بنحو 10000 م2.

المسرح الذي يشرف على تصميمه فريق من المهندسين من جامعة بغداد، يبدو بهيئة معبد سومري مستوحى من فكرة الآثار المجاورة له، وقد بدا واضحاً أن فريق التصميم استمد فلسفة الجمال السومري ليستنسخها في عدد من المشاريع التي تجري قرب المدينة الأثرية ومن بينها المسرح، في جهد حكومي لإحيائها وتنشيط الحركة السياحية فيها، بهدف ديمومة تأثيرها في الحركة الفنية والفكرية في المدينة وزوارها.

الفكر السومري

المسرح الذي يتسع لأكثر من 1500 متفرج ويمكن زيادة أعداده لاحقاً استغل مصمموه المزايا التي يتمتع بها في وجوده وسط الآثار السومرية مع الحرص على مزج الحداثة بالتاريخ للحصول على طراز معماري يضفي على زواره الشعور ذاته، وهم يتنقلون بين آثار سومر التي تعود للقرن السادس قبل الميلاد.

 لقد فرض الفكر السومري أسلوبه على عملية تطوير المدينة الأثرية في كل منشآتها المتعددة، ومن بينها المسرح والمتحف ومركز حوار الأديان حيث استوحيت أفكار تصميم هذه المشيدات من أبنية المعابد العالية في العصر السومري المبكر والذي يعد الجذر التاريخي الأول للأبنية المرتفعة في بلاد الرافدين، فقد شيدت هذه المعابد فوق دكاك أو مصاطب منحدرة الارتفاع، كما هو الحال في معبد الحجر الكلسي وغيره من معابد الوركاء المهيبة، التي يرقى إليها السومريون عادة بمنحدرات ترابية أو سلالم من اللبن، بلغ ارتفاع بعضها زهاء خمسة عشر متراً، وتمثل أبنية الزقورات شاهداً عليها.

الأبنية العالية

يقول الباحث الآثاري عامر عبد الرزاق لـ (الصباح)، لقد اشتهرت بلاد الرافدين بالأبنية العالية المرتفعة وهذا ما يمكن مشاهدته في المعابد، ولعل السبب في اللجوء إلى رفع البنايات فوق سطح الأرض، ينطلق من مبدأ فكرة السمو والتسامي لشعورهم أن الآلهة موجودة في أماكن مرتفعة ويمكن أن تهبط ويصعدون إليها بالمدرجات.

وحسناً فعل مصممو متحف ومركز حوار الأديان اللذين صمما بلمسات فنية حديثة تحاكي الحضارة السومرية التي ولدت على أرض هذه المدينة قبل خمسة آلاف عام.

الشكل الخارجي للمسرح

وشرح الناطق الرسمي باسم محافظة ذي قار أبو الحسن البدري، جانباً من التفاصيل التي يمكن مشاهدتها بعد أن أظهرت مراحل العمل الشكل الخارجي للمسرح المؤمل إنجازه في العام المقبل، المنصة الرئيسة للمسرح التي يمكن للجالس بأي مكان في مدرجات هذا المسرح رؤية ما يدور عليها والتي تعد أهم وأبرز نقطة في المسرح، الذي يتوقع توسعه في مراحل أخرى ليكون جاهزاً لاستقبال المهرجانات والفعاليات والمناسبات التي تشهدها المدينة الأثرية.

ويستند هيكل المسرح على مساند ضخمة وينفتح إلى مدخل رحب مزين بخطوط هندسية سومرية في تشكيلها من الطابوق لإضفاء قيمة جمالية على البناء والنمط المعماري.

وقد حرص مصممو المسرح على غرس أشجار الزينة حوله، كما كان يفعل السومريون الذين عمدوا إلى غرس الأشجار الباسقة أمام واجهات المعابد وحولها، وهو نوع من إيجاد نوع من العلاقة بين الطبيعة والعمارة السومرية وخصوصاً في المعابد التي لونوا طبقاتها بألوان زاهية متنوعة، لتنتهي باللون الأزرق في الأعلى، وذلك بمثابة (التشفير) عن (جلال) الشارة القدسية.

زيارة البابا

ويؤكد الخفاجي أن "فكرة تطوير المدينة الأثرية في أور كانت حاضرة في وجدان المثقفين والمفكرين من أبناء المحافظة، وحتى المسؤولين كانوا على قناعة بأهميتها لكن يمكن القول أن زيارة البابا فرنسيس إلى المحافظة في آذار من العام 2021 فتحت آفاقاً جديدة للعمل على إحياء مدينة أور من جديد، وهو بالفعل ما عملت عليه الحكومتان الاتحادية والمحلية حيث تحولت المدينة الأثرية إلى ورشة عمل، ويتواصل العمل الآن في أكثر من موقع في المراحل الأولى من التطوير التي تشتمل على خدمات مختلفة".

ويشعر الجميع أن زيارة بابا الفاتيكان التاريخية إلى المدينة، التي تحظى بخصوصية دينية حيث تضم بيت "النبي ابراهيم" إضافة إلى عمقها الحضاري والتاريخي، فإن الزيارة استثمرت بشكل إيجابي وثمة جهود بعد اكمال الخدمات لاستقطاب الحجيج والأنشطة الفنية والفكرية والثقافية إلى المدينة الأثرية.

المخطط النهائي

يقول معاون المحافظ لشؤون التخطيط غسان الخفاجي في حديثه لـ (الصباح)، إن مسرح أور، يعد واحداً من بين مشاريع عديدة ترتبط مع بعضها لترسم شكل المدينة الأثرية التي بدأ العمل فيها من خلال اللجنة الوزارية وبموجب الأمر الديواني 38 لسنة 2021، وقد جرى اختيار ثلاثة مواقع لتطويرها من خلال المكتب الاستشاري المتخصص في جامعة بغداد حيث تم التوصل للمخطط النهائي قبل أربع سنوات لمسرح أور والمتحف السومري ومركز حوار الأديان وبوشر بالعمل فيها، ونأمل إنجازها بأقرب وقت.

وأشار إلى أن لجنة الأمر الديواني والمحافظة كانتا حريصتين على إنجاز هذه المشاريع مع فريق متمرس من المهندسين المختصين في فنون العمارة والبناء في جامعة بغداد، وقد أضاف المصممون لمسات سومرية ذات طابع يرمز إلى عمق تلك الحضارة الموغلة بالقدم وتأثيرها الإنساني الذي ما زال يشع بعد أكثر من خمسة آلاف عام على ولادتها، ومن بين تلك الأبنية التي تحمل تراث المدينة المسرح والمركز الثقافي، لافتاً إلى أن الحكومة العراقية خصصت 19 مليار دينار لإنجاز هذه المشاريع التي تمتد على مساحة تبلغ 900 دونم، بالقرب من المدينة الأثرية القديمة. 

مراحل العمل

‏وأشار إلى أن اللجنة الوزارية المكلفة بإنشاء المدينة الجديدة في أور حريصة على استكمال الكشوفات الخاصة بالبنى التحتية والمشاريع الاستثمارية لتطوير خدماتها وبنيتها التحتية، وسعت إلى اشراك دوائر الماء والمجاري والكهرباء والبلديات في وضع الكشوفات التخمينية ورفعها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وإدارة صندوق الإعمار لغرض تحديد أسبقيات المشاريع، ووضعها ضمن أولويات الموازنات.

أعمدة المسرح

ويؤكد معاون المحافظ لشؤون التخطيط المهندس غسان الخفاجي، أن مسرح أور كان بشارة للمثقفين والفنانين الذين يتوافدون إلى المدينة لرؤية مراحل الإنجاز التي قطعها وهو ما يعطي دعماً وحافزاً للعاملين على إنجاز أعمالهم بهمة عالية.

وأوضح أن نسب الإنجاز تتصاعد في مسرح أور والمركز الثقافي لما يمثلانه من حاجة ضرورية لأبناء المحافظة التي تخلو من هذه المباني الثقافية، وكونها من المحافظات المعروفة بتقدمها في مجال الثقافة والأدب والفنون.